Sunday 17 January 2010

وداعاً أوال

مر وقت طويل على هذا السفر وعلى ذلك اللقاء وذلك الوداع
حاولت خلالها ان الملم جرحي و انسى ..
حاولت منذ عودتي ان اضع شيئا من الترتيب في قلبي .. ان اعيد الاشياء الى مكانها الاول دون ضجيج ولا تذمر .. دون ان اكسر مزهرية .. دون ان اغير مكان لوحة ولا مكان القيم التي تكدس الغبار عليها داخلي منذ زمن
حاولت ان اعيد الزمن الى الوراء دون حقد ولا غفران ايضا ..
لا .. نحن لا نغفر بهذه السهولة لمن يجعلنا بسعادة عابرة .. ونكتشف كم كنا تعساء قبله ..
ونغفر اقل لمن يقتل احلامنا امامنا دون ادنى شعور بالجريمة
ولذلك لم اغفر لك ولا لهم
حاولت فقط ان اتعامل معك ومع الوطن بعشق اقل ..
واخترت اللامبالاة عاطفة واحدة نحوكما
كان يحدث لاخبارك ان تصلني عن طريق الصدفة
وكان يحدث لاخبار الوطن ان تأتني ايضا تارة في جريدة وتارة في مجالس اخرى
وكل مرة كنت اواجه كل ما اسمعه باللامبالاة نفسها التي لا يمكن ان يولدها سوى اليأس الأخير
في الواقع .. اصبحت عندي قناعة بانعدام الامل ..
كان القطار يسير في الاتجاه المعاكس .. وبسرعة لم يكن ممكنا معها ان نفعل شيئا غير الذهول وانتظار كارثة الاصطدام
كنت احزم حقائب القلب .. و امضي دون ان ادري في اتجاه آخر ايضا ..
في الاتجاه المعاكس للوطن
رحت اؤثث غربتي بالنسيان ..
اصنع من المنفى وطنا آخر لي .. وطنا ربما ابدياً علي ان اتعود العيش فيه
بدأت اتصالح مع الاشياء .. اقمت علاقات طبيعية مع ساحل المنامة .. مع الجسور .. مع كل المعالم التي كانت تقابلني من تلك النافذة والتي اعيش في معاداة لها دون سبب
تعمدت ان افرغ الرجال من رموزهم الاولى .. فمن قال ان هناك رجل منفى ورجل وطن فقد كذب .. فلا مساحة للرجال خارج تلك الحدود.. والذاكرة ليست الطريق الذي يؤدي اليهم
أفهمت لماذا قتلك تلقائيا في داخلي ؟؟ ولم اعجب يومها وانا ارى جثتك ممددة ؟؟ لم تكون في النهاية سوى رجل واحد ستقول لماذا كتبت لي هذه الكلمات اذن ؟ وسأجيبك انني استعير طقوسك في القتل فقط و انني قررت ان ادفنك بين الكلمات لا غير .. فهناك جثث يجب الا نحتفظ بها في قلوبنا .. فللحب بعد الموت رائحة كريهة ايضا .. خاصة عندما يأخذ بعد الجريمة
لاحظ انني لم اذكر اسمك مرة واحدة .. قررت هكذا ان اتركك بلا اسم .. فهنالك اسماء لا تستحق الذكر .. وحدها اسماء الشهداء غير قابلة للتزوير لان من حقهم علينا ان نذكرهم بأسمائهم كاملة
لم يعد هناك من ضرورة للحنين بعد اليوم .. فأنا عائدة ولابد ان اتعلم الآن الوجه الآخر للنسيان .. فليس سهلا ان اجتاز الجسر الذي يفصلني عنك .. لكنني لا اريد ان اقضي حياتي وانا اسلك هذا الجسر في الاتجاهين .. اريد ان اختار لقلبي مسقطه الاخير
اريد ان اعود الى تلك المدينة الجالسة فوق الخليج .. فمنذ غادرتها اضعت بوصلتي .. قطعت علاقاتي بالتاريخ والجغرافية .. ووقفت السنوات على نقطة الاستفهام خارج خطوط الطول والعرض
اين يقع البحر و اين يقف العدو ؟ ايهما امامي وايهما ورائي ؟ ولا شيء وراء البحر سوى الوطن .. ولا شيء امامي سوى زورق الغربة .. ولا شيء بينهما سواي
على من اعلن الحرب ولا شيء حولي سوى الحدود الاقليمية للذاكرة !!
الحب هو ما حدث بيننا .. نعم ولكن .. بين ماحدث وما لم يحدث حدث اشياء اخرى لا علاقة لها بالحب !! في الحالتين نحن لا نصنع سوى الكلمات .. ووحده الوطن يصنع الاحداث ويكتبنا كيفما شاء مادمنا حبره
غادرت الوطن في زمن لحظر التنفس .. وها انا اعود اليه مذهولة في زمن آخر لحظر الفرح
اتذكر وانا اواجه وحدي اول مرة مطار تلك المدينة المتلحفة بالحداد .. واستوقفتني كلماتك ( ان اوال فرغت من اهلها الاصليين لقد اصبحوا لا يأتونها سوى في الاعراس او المآتم ) ... يذهلني اكتشافي .. ها انت اصبحت اذن الابن الشرعي لهذه المدينة التي جاءت بي مكرهةً مرتين .. مرة لأصنع وهمي .. ومرة لأدفن أحلامي ... و ماالفرق بينهما ؟؟